من أرشيف مقالاتي على موقع أراجيك، 23 يوليو 2018
تعود بنا آلة الزمن اليوم إلى العام 1984.. العام الذي شهد الكثير من الأحداث الكبيرة، والتحولات الجذرية، ففي هذا العام تم التعرف على فيروس الايدز لأول مرة، اغتيلت أنديرا غاندي على يد أحد حراسها، ولد الرفيق المناضل مارك زاكربيرغ، كشف ستيف جوبز عن حاسوب ماكنتوش الثوري، وكان بيل غيتس فقيرًا مُعدمًا لا يملك سوى 100 مليون دولار فقط لا غير.
كانت فكرة أن يكون هنالك حواسيب شخصية بحد ذاتها أقرب إلى الخيال العلمي، وكانت كلمة برمجيات Software ابتكارًا جديدًا مثيرًا للدهشة بالنسبة للعوام وحتى (لمهووسي الحواسيب) في ذلك الوقت لدرجة تخصيص ثمان صفحات كاملة في مجلة لتقديمها للناس، وتعريفهم على “البساط السحري نحو المستقبل”.
ستقرأ الآن كيف كان الحديث عن البرمجيات في ذلك الوقت كان مشابهًا للطريقة التي تم الحديث فيها عن شبكة الانترنت في العام 1995 ،وهي ذات الطريقة التي يتم الحديث فيها عن تقنية بلوك تشين اليوم.
نُشر المقال التالي لأول مرة في مجلة Time الأمريكية في عدد 16 نيسان أبريل 1984، ولهوايتي لجمع هكذا نوادر، نجحت في اقتناء نسخة نادرة من المجلة من سيدة أمريكية عرضتها للبيع على موقع أمازون. لم أكن أطيق صبرًا لأضيف هذه القطعة من التاريخ إلى مجموعتي، ولأعود بالزمن إلى الجذور حيث بدأ كل شيء. لمعرفة كيف كان الوضع وسقف الحديث عن التقنية في ذلك الوقت، ومقاربته مع يومنا الحالي لأحاول استشراف المستقبل بنظرتي الخاصة.
ساحر داخل الآلة.. البرمجيات هي البساط السحري نحو المستقبل
العتاد أم البرمجيات؟ سؤال قد يطرحه أبناء جيل الكمبيوتر اليوم. عالمُهُ منقسمٌ إلى جزئين: العَتاد Hardware، وهو مجموعة الآلات المكونة للكمبيوتر، والبرمجيات Software، وهي التعليمات البرمجية التي تخبر الكمبيوتر بما يفعل. ومع أن العتاد هو الجزء المرئي و الملموس، فإن أبناء جيل الكمبيوتر يعرفون جيدًا أن البرمجيات هي روح هذه الآلة. بدون البرمجيات يكون الكمبيوتر أكبر قليلًا من قطعة البلاستيك والسيليكون التي تضعها تحت الباب لمنع الهواء من فتحه.
الحاسوب بدون برمجيات هو مثل السيارة بدون وقود، أو كاميرا بدون فيلم، أو مشغل ستيريو بدون تسجيلات. في هذا العام سينفق الأمريكيون حوالي 65 مليار دولار على أجهزة الكمبيوتر بكافة أنواعها، ويضاف إليها حوالي 16.2 مليار دولار على البرمجيات التي تجعل هذه الماكينات تقوم بسحرها.
حتى سنوات قليلة مضت، كانت البرمجيات تستخدم فقط لتشغيل أجهزة الحواسيب الكبيرة Mainframes التي تحتاج إلى العزل في غرف مكيفة خلف حواجز زجاجية. ما زالت البرمجيات تحتفظ في مكانها في هذه الأجهزة، تستخدم في إجراء المكالمات الهاتفية بعيدة المدى، حساب الفوائد البنكية، وإرسال الرسائل الخاصة بحملات المرشحين للرئاسة، ولكن الانتشار السريع لأجهزة الكمبيوتر الشخصية ساعد في وضع البرمجيات في أيدي الناس. في الحقيقة فإن الخبراء المختصين يطلبون من المشترين البحث عن البرمجيات التي يريدون استخدامها، وبعد ذلك فقط يمكنهم شراء الأجهزة التي تشغل هذه البرمجيات.
يستخدم هواة الكمبيوتر اليوم البرمجيات بالعديد من الطرق المبتكرة، إلى الإضافة إلى القيام بالأعمال التقليدية مثل التصنيف، والحساب. تساعد البرمجيات على جعل حياة الناس أسهل، وهذه بعض الأمثلة على ذلك:
يقوم القس ديفيد نيكولاس David Nicholas راعي كنيسة النهر الاسباني في فلوريدا بكتابة الخطوط العريضة لخُطَبِه بمساعدة برنامج يدعى “Super SCRIPSIT” على واحد من جهازي كمبيوتر Radioshack موجودين في الأبرشية.
الفلكي الهاوي جورج ليتسيوس George Litsios ذو 52 عامًا، يمتلك تلسكوبًا يبقيه موجهًا نحو السماء من الفسحة الموجودة في العلّية لديه، لكنه هذه الأيام يقضي الكثير من وقته أمام شاشة الكمبيوتر يشاهد برمجية TellStar التي صنعتها شركة Scharf Software في كولورادو. وبمساعدة هذه البرمجية أنشأً جورج تمثيلًا مرئيًا للسموات تمامًا كما تبدو من تلسكوبه، وذلك بمجرد إدخال الوقت والتاريخ، والإحداثيات الجغرافية لمنزله. الآن يمكنه أن يطلب من الكمبيوتر تحديد أي جسم سماوي قد رآه من قبل في السماء، ويقول عن هذه التجربة:
“لقد قام ذلك فعلًا بتوسيع مجال رؤيتي، بمساعدة برنامج TellStar أرى الآن في ستة أسابيع أكثر مما كنت أراه في ستة سنوات قبل ذلك”
ملجأ Bide-a-Wee للحيوانات في مدينة نيويورك يستخدم برنامجًا يدعى Choose-a-Pooch يساعد على اختيار مُلّاك محتملين مناسبين للحيوانات الصغيرة المشردة. هذا البرنامج من تطوير راندي لوكوود Randy Lockwood ذو الخمسة وثلاثين عامًا، وهو بروفيسور علم نفس مساعد في جامعة نيويورك. يقوم Choose-a-Pooch (اختر كلبًا) بتصنيف طباع واحتياجات 120 سلالة من الكلاب، ليحددكم سيناسب كلب معين لمالك محتمل.
في ستة مطاعم وحانات تابعة لفندق ووترغيت Watergate في واشنطن، يقوم برنامج CELLARMASTER بمراقبة مخزون 80 ألف زجاجة نبيذ، وأصناف مختلفة من الخمور، إلى جانب المشروبات الغازية. والنتيجة: إدارة أكثر كفاءة للمخزون. تقول سوزان كانتي Susan Conti السكرتيرة التي تستخدم هذا البرنامج:
“إنه يسهل عملية متابعة قوائم المشروبات المتاحة ، ومشاهدة الاسعار وتغيراتها بنقرة واحدة على الكمبيوتر”.
معظم البرمجيات اليوم تُباع إلى حواسب Mainframe الكبيرة المستخدمة من قبل الشركات أو الحكومة. ولكن البنوك، المطارات، وغيرها من الجهات التي تحتاج إلى التعامل ومعالجة الكثير من البيانات والمدخلات قد اشترت أو استأجرت ما قيمته 11.6 مليار دولار من البرمجيات بحسب احصائية قامت بها شركة Input الموجودة في ماونتن فيو، كاليفورنيا.
في العادة تكون برمجيات الحواسيب الكبيرة مؤجرة، لا مباعة، لذلك تقوم الشركة المطورة لها بالاحتفاظ بحق التحكم بها، وقد يكلف استئجار برنامج واحد لمراقبة التحويلات البنكية مبلغًا يصل إلى 200 ألف دولار في السنة الواحدة. ولكن المثير للاهتمام في هذه الصناعة هو برمجيات الحواسيب الشخصية، ففي العام 1980 تم بيع ماقيمته 260 مليون دولار من البرمجيات، بينما من المتوقع أن تتجاوز المبيعات 1.5 مليار دولار هذا العام، وبحلول العام 1989 قد يتجاوز الرقم الست مليارات.
مايكروسوفت الموجودة في بالفيو، واشنطن هي أكبر هذه الشركات، ففي العام 1980 باعت ما قيمته 4 مليون دولار من البرمجيات، ومن المتوقع أن يصل دخل الشركة في 1984 إلى 100 مليون دولار. ويليام غيتس (28 عامًا) رئيس شركة مايكروسوفت، وشريك مؤسس قد نجح في تكوين ثروة شخصية تقدر بحوالي 100 مليون دولار.
لا أحد يعلم بالضبط عدد البرمجيات المتوفرة في العالم اليوم، ولكن عددها يقدر تقريبًا بين 8.000 إلى 40.000. في الحقيقة لقد ظهرت صناعة جديدة فقط لمراقبة عناوين هذه البرمجيات. ستيورات براند Stewart Brand ناشر مجلة Whole Earth Catalog سيصدر برمجية Whole Earth Software Catalog هذا الخريف. مجلة بيلبورد Billboard ترصد البرمجيات الأكثر مبيعًا بنفس الطريقة التي تقوم بها بها برصد مبيعات تسجيلات مايكل جاكسون.
في الحقيقة، يمتلك مجال البرمجيات الكثير من السمات الموجودة في مجال صناعة موسيقى البوب. في حال انتهى أمر منتج ما يتم الإسراع بابتكار شيء جديد على الفور.
المبرمجون، وهُم الأشخاص الذين يقومون بكتابة هذه البرمجيات يمكنهم أن يجدو أنفسهم قد أصبحو مليونيرات في العشرين من عمرهم، ويعودو مفلسين في الثلاثين. وهنالك أيضًا قراصنة يسرقون ما قيمته تتجاوز ملايين الدولارات من البرمجيات من خلال نسخها بشكل غير قانوني.
مصنعو البرمجيات الشهيرين اليوم يصبحون نجومًا على مستوى العالم، أشخاص مثل ويليام غيتس رئيس شركة مايكروسوفت، ميتشل كابور Mitchell Kapor رئيس شركة Lotus Developments، وفريد غيبونس Fred Gibbons مؤسس شركة Software Publishing يتم التودد إليهم من قبل الشركات المصنعة للهاردوير، الذين يرغبون بأن يقومو بتصنيع برامج تقوم بتشغيل أجهزتهم.
يقول فريد غيبونس:
“إن التحكم في صناعة الحواسيب الشخصية ينتقل من أيدي مصنعي العتاد إلى مطوري البرمجيات”.
وقد ظهرت الأشكال البدائية للبرمجيات قبل 150 عام، تشارلز باباج بروفيسور الرياضيات في جامعة كامبريدج، ومخترع عداد السرعة، والقاطرة قام أيضًا في العام 1834 بتصميم جهاز أطلق عليه ” المحرك التحليلي لحل المعادلات الرياضية” The Analytical engine to solve mathematical equations. وهو ما يمكن اعتباره الأب الروحي لحاسوب اليوم.
وقد اعتبرت أوغوستا آدا Augusta Ada كونتيسة افليس، وابنة الشاعر لورد بيرون Lord Byron أول مبرمجة في العالم، لقد استخدمت البطاقات المثقوبة لتخبر تلك الآلة (آلة باباج) بما تفعل، وقد استحوت الفكرة من البطاقات المستخدمة في ماكينة حياكة قماش الجاكارد لقولبة شكل الملابس.
تقول أوغستا:
“المحرك التحليلي ينسج خامات الجبر تماما كما يقوم منسج الجاكارد بنسج الورود وأوراق الأشجار”.
لقد كان المحرك التحليلي مع الأسف معقدًا جدًا في ذلك الوقت ولم يتم انهائه، ولكن بعد 117 عام فكرة البطاقات المثقوبة قد تحورت لتصبح قلب تكنولوجيا البرمجيات. في العام 1951 قام مكتب إحصاء الولايات المتحدة باستخدام البطاقات المثقوبة في جهاز UNIVAC 1 أول جهاز حاسوب تجاري.
على أية حال، فقد اختفت فكرة تلك البطاقات، وأصبح المتحكم اليوم بعتاد الحواسيب والذي يزودها بالتعليمات هو البرمجيات. أنظمة برمجية متكاملة تتحكم بأجزاء الكمبيوتر بما في ذلك شاشة الفيديو، وحدة المعالجة المركزية ومحركات الأقراص، وتجعل هذه الأجزاء تعمل مع بعضها.تحمل هذه الانظمة البرمجية أسماء غامضة مثل CP/ M، و MS-DOS و UNIX، ويمكن أن تكون الأنظمة البرمجية هذه مربحة جدًا، وقد وصل إجمالي مبيعاتها العام الماضي إلى 500 مليون دولار.
يتضمن الملف الذي نشرته المجلة أيضًا الكثير من التفاصيل عن البرمجيات والسحر الذي تضيفه للحواسيب التي ولكن ماسبق يكفي لإيصال الفكرة المطلوبة تمامًا.
بكل الأحوال لن يكون هذا المقال هو الاستعمال الوحيد لآلة الزمن، فهنالك الكثير من الأحداث التي تستحق تسليط الضوء عليها، وسأقوم بمشاركة المزيد في وقت لاحق.
شكراً أخ عبدالله على جمع هذه المعلومات وتقديمها لنا بهذا الاختصار
لدي تساؤل: لماذا يُفلس المبرمجون في الثلاثينات؟