من مقالاتي القديمة على مجلة أراجيك، 12 فبراير 2017
نُشر هذا المقال للمرة الأولى في صحيفة نيوز ويك الأمريكية في 27 شباط فبراير من عام 1995 عندما كان الإنترنت وقتها ابتكارًا محيرًا للكثيرين. لم يكن بإمكان أحد أن يتصور أنّ هذه الشاشة ستصبح جزءًا أساسيًا من حياة الجميع، وأداةً تساعد على إنجاز الأعمال، بل وأقامت صناعات جديدة غَيرَت حياة الملايين ومازالت. لقد كان التعاطي مع شبكة World Wide Web في ذلك الوقت أقرب مايكون إلى مايجري اليوم مع تقنية سلسلة الكُتل Blockchain والعملات الرقمية، حيث الكثير من الآراء المتفاوتة عن مستقبل هذه التقنيات واتجاهها.
ربما كان مع الكاتب Clifford Stoll بعض الحق في ذلك الوقت، فصفحات الإنترنت في ذلك الوقت كانت عبارةً عن مجرد نصوص وروابط تشعبية مُطَعّمةً ببعض الصور التعبيرية بالأبيض والأسود قبل أن تدخل الألوان، فحتى إمكانية إضافة صورة فوتوغرافية حقيقية إلى صفحة إنترنت لم تظهر إلّا في وقت لاحق، ولذلك ربما لم يكن بإمكان الكثيرين تَخيُل طريقة للاستفادة من هذا الشيء كبديل عن أشياء حقيقية، وقول الكاتب أنّه: “لايمكن لأي قاعدة بيانات على الشبكة أن تستبدل الصحف اليومية” هو أكبر إشارة إلى المنظار الذي كان ينظر به إلى الإنترنت والشبكة العنكبوتية في ذلك الوقت.
ولكن، لم يطل الوقت كثيرًا ليتبين خطأ هذه النظرية بشكل كامل، فمنذ منتصف 1995 أي ذات العام الذي كُتِبَ فيه المقال الذي ستقرأه بعد لحظات، تطور الإنترنت لدرجة سمحت بعرض محتوى أكثر تفاعليةً. كان بمثابة حجر الأساس للإنترنت الذي نعرفه اليوم، لتأتي بعد ذلك “فقاعة الإنترنت” وتحدث الثورة الحقيقية في مجال التواصل، مع أسماء مثل: Google، و Yahoo، و Amazon، و MSN التي بدأت بالظهور في تلك الفترة، وأحدثت فعلًا ثورات حقيقية في إيصال المعلومة.
The Internet? Bah!
مقال للكاتب: Clifford Stoll
مجلة Newsweek – عدد 27 شباط 1995
بعد عقدين على الشبكة، أنا في حيرةٍ من أمري، وليس معنى ذلك أنّني لم أقضي وقتًا ممتعًا على شبكة الإنترنت، لقد تعرفت على أناس رائعين، وربما وجدت قرصانًا واحدًا أو اثنين أيضًا، ولكن اليوم أنا غير مستقر حول موضة هذا المجتمع الذي يروج له بشدة. يرى الباحثون فيه مستقبل العاملين في مجال الاتصالات، مكتبات تفاعلية، وفصول دراسية بالوسائط المتعددة. يتحدثون عن قرية إلكترونية، ومجتمعات افتراضية، وأنّ التجارة والأعمال ستتحول من المكاتب، ومراكز التسوق إلى الشبكات، وأجهزة المودم، وأنّ حرية الشبكات الرقمية ستجعل الحكومة أكثر ديموقراطيةً.
هراء … هل تتجاوز توقعاتنا وانتقاداتنا لأجهزة الكمبيوتر حدود الواقع، والمنطق؟ الحقيقة هي أنّه لن تستبدل قاعدة بيانات على الشبكة صحيفتك اليومية، ولا لقرص مدمج أن يستبدل المعلم المختص، ولن تغير شبكة حاسوبية الطريقة التي تعمل بها الحكومة.
لننظر إلى العالم على الشبكة اليوم، The Usenet، لوحة الإعلانات العالمية تسمح لأي شخص بنشر رسالته في جميع أنحاء البلاد، كلماتك تصدر مباشرةً! تتجاوز المحررين، والناشرين! يمكن لأي صوت أن يكون مسموعًا بشكل رخيص، وفوري! والنتيجة؟ جميع الأصوات مسموعة، بما في ذلك الأصوات الكاكافونية “النشاز”، التحرش، والتهديدات مجهولة الهوية، والمصدر. يمكن تشبيه ذلك بإذاعة خاصة بكل فرد، عندها سيصرخ الجميع، ولكن القليل من سيسمع.
ماذا عن النشر الإلكتروني؟ حاول قراءة كتاب من على قرص مدمج CD، في أحسن الأحوال ستجد ذلك مملًا وشديد الرتابة، والروتينية. وهجٌ قصير المدى من حاسوب ثقيل يستبدل صفحات الكتب اللطيفة، ولا يمكنك حمل هذا “الحاسوب المحمول” معك إلى الشاطِئ، ومع ذلك يطل علينا نيكولاس نيغروبونتي مدير مختبر الإعلام في جامعة MIT متوقعًا أنّنا “سنقوم قريبًا بشراء الكتب، والصحف مباشرةً من خلال الإنترنت …” أووه! بكل تأكيد!
مالم يخبرك عنه مروجو الإنترنت هو أنّ الإنترنت عبارة عن محيط كبير من البيانات غير المحررة، دون أي ادعاء للكمال، وبسبب الافتقار إلى المحررين، والمراجعين، والنقّاد، أصبح الإنترنت عبارةً عن أرض قاحلة، وصحراء رملها البيانات غير المفلترة. لن تعلم ماعليك تخطيه، وما الذي يستحق أن تقرأه، دخلت إلى “الشبكة العنكبوتية العالمية” بحثًا عن تاريخ معركة ترافلغار Battle of Trafalgar، ظهرت لي المئات من الملفات، واستغرق الأمر معي 15 دقيقة لاكتشافهم، وأحد هذه النتائج كانت مكتوبةً من قبل طالب في الصف الثامن، والثانية كانت عبارةً عن لعبة كمبيوتر لاتعمل، بينما الثالثة كانت صورةً لنصب لندن التذكاري. لم تجب أي نتيجة عن استفساري، كما تمت مقاطعة بحثي أكثر من مرة برسائل مثل: “الكثير من الاتصالات، حاول مرةً أخرى”.
هل سيكون الإنترنت مناسبًا للحكومات؟ مدمنو الإنترنت يتوقون للتقارير الحكومية، ولكن عندما ترشح آندي سبانو Andy Spano لمجلس مقاطعة ويستشستر التنفيذي، قام بنشر كل بياناته الصحفية على لوحة إعلانات bulletin board. في تلك المقاطعة الغنية التي فيها الكثير من شركات الكمبيوتر، كم عدد الناخبين الذين سجلوا الدخول لقراءة ذلك؟ أقل من 30 … لا يبدو ذلك فألًا جيدًا!
نقطة ونقرة
ومن ثم هنالك الذين يدفعون بالحواسيب إلى المدارس. لقد أُخبرنا بأنّ الوسائط المتعددة ستجعل الأيام الدراسية أكثر متعةً وسهولةً، وسيتعلم الطلاب من الشخصيات المتحركة، وسيُدَرّسون برمجيات مصممة خصيصًا. من سيحتاج للمدرسين إن كان بإمكان الحاسوب القيام بالتدريس؟ باااه، هذه الألعاب باهظة الثمن صعبة الاستخدام في الصفوف الدراسية، وتتطلب تدريبًا خاصًا. من المؤكد أنّ الأطفال يحبون ألعاب الفيديو، ولكن فكر في تجربتك الخاصة، فهل تتذكر فيلمًا تعليميًا واحدًا من العقود الماضية؟ ولكني أراهن أنّك تتذكر على الأقل مُدرّسَين اثنين أو ثلاثة من العظماء الذين أحدثوا فرقًا في حياتك.
ومن ثم هنالك العمل الإلكتروني cyber business. لقد وُعِدنا بكتالوجات مباشرة للتسوق بمجرد نقرة على زر العروض المدهشة، وسنقوم بحجز رحلات الطيران من خلال الشبكة، ونقوم بحجز المطاعم، ونناقش عقود المبيعات. ستصبح المتاجر جزءًا من الماضي. إذًا كيف يعقل أنّ حجم الأعمال التي تحدث في مركز التسوق “المول” في منطقتنا في فترة بعد الظهيرة في يوم واحد فقط يفوق حجم مايحدث على كل شبكة الإنترنت في شهر كامل؟ حتى إن كانت هنالك طريقة تستحق الثقة لإرسال الأموال من خلال الشبكة – مع أنّها غير موجودة – ستبقى الشبكة مفتقدة لأهم عنصر في الرأسمالية: مندوبو المبيعات.
ما الذي ينقص بلاد العجائب الإلكترونية هذه؟ التواصل البشري، الحواسيب، والشبكات تعزلنا عن بعضنا البعض، خطوط الدردشة الشبكية كبديل عن لقاء الأصدقاء في المقهى. لايمكن لأي شاشة عرض وسائط متعددة أن تصل حتى إلى مستوى قريب من الإثارة التي نحصل عليها من حضور حفلة موسيقية، ومن سيفضل ممارسة الجنس إلكترونيًا بدلًا من الشيء الحقيقي؟ بينما يوحي الإنترنت بمستقبل زاهٍ من المعرفة والسلطة والمتعة، فهذا اللامكان يسحرنا لنسلم له وقتنا على الأرض.